
حققت الدبلوماسية السورية نجاحاً جديداً يضاف إلى سلسلة النجاحات التي حققتها خلال الفترة الماضية، حيث صوّت مجلس الأمن الدولي، الخميس 6 تشرين الثاني، على مشروع قرار أمريكي يقضي برفع العقوبات عن السيد الرئيس أحمد الشرع، ووزير الداخلية أنس خطاب من قوائم العقوبات الدولية.
ووافقت أربع عشرة دولة على القرار، فيما امتنعت دولة واحدة عن التصويت، في خطوة اعتبرها باحثون ومراقبون مختصون بالشأن السوري إنجازاً جديداً يضاف إلى سجل الدبلوماسية السورية.
دلالات سياسية
وعن دلالات رفع اسم الرئيس الشرع من قائمة العقوبات الدولية بالتزامن مع زيارة تاريخية للبيت الأبيض، يقول الكاتب والصحفي المقيم في لندن حسيب الزيني في حديث خاص لموقع الإخبارية “إنّ قرار مجلس الأمن الدولي بشطب اسم السيد الرئيس أحمد الشرع ووزير الداخلية أنس خطاب من قائمة العقوبات يمثل تحوّلاً سياسياً نوعياً في المشهدين السوري والدولي معاً، ويشير إلى اعترافٍ متزايد بشرعية الحكومة السورية الجديدة وبدورها في إعادة الاستقرار إلى المنطقة وطيّ صفحة الأسد السوداء فيها”.
ويوضح الزيني أنّ القرار الذي أقرّه المجلس بأغلبية أربعة عشر صوتاً وامتناع الصين عن التصويت يعكس توافقاً دولياً نادراً حول الملف السوري، ويعد ثمرة مباشرة للجهود الدبلوماسية النشطة التي قادتها دمشق خلال الأشهر الماضية، بالتوازي مع انفتاحها السياسي المتدرّج على العواصم الغربية.
ويضيف الصحفي: “إنّ رفع العقوبات قبل زيارة الرئيس الشرع المرتقبة إلى البيت الأبيض يحمل رمزية عالية تتجاوز الجانب الإجرائي، إذ يمهّد لمرحلة جديدة من التقارب الغربي–السوري بعد سنوات من القطيعة والعقوبات”.
واعتبر الزيني القرار إشارةً واضحة إلى تبدّل أولويات واشنطن في الشرق الأوسط، من منطق “العقاب” إلى منطق “الاحتواء والتعاون”، خصوصاً في ملفات مكافحة الإرهاب وإعادة هندسة التوازنات السياسية في المنطقة، كما يمهّد الطريق لمسألة إعادة الإعمار وعودة اللاجئين وبناء الدولة السورية الجديدة”.
ويظهر القرار، وفقاً للزيني، نجاح القيادة السورية في كسر العزلة الدولية التي فرضت على دمشق لعقدٍ كامل في زمن النظام البائد، ويعزز مكانة دمشق ونيويورك كمحطتين رئيسيتين للدبلوماسية السورية الجديدة التي باتت أكثر ثقةً واتزاناً.
وفي المقابل، لا يخلو القرار من رسائل سياسية دقيقة موجّهة إلى أطراف داخلية وإقليمية لا تزال تراهن على استمرار القطيعة مع دمشق.
فهذا المسار الأمريكي التصالحي مع دمشق يؤكد أنّ المجتمع الدولي بات يراهن على استقرار سوريا وقيادتها الجديدة كعنصر توازن لا يمكن تجاوزه، مؤكداً أنّ رفع اسم السيد الرئيس أحمد الشرع من قائمة العقوبات لا يمثل فقط إعادة اعتبارٍ سياسية وشخصية، بل هو إعادة تموضعٍ لسوريا في النظام الدولي، تمهيداً لمرحلة قد تكون الأكثر حسماً في مسار عودتها إلى الساحة الدولية الفاعلة.
آثار اقتصادية منتظرة
عن الآثار المحتملة للقرار على الوضع السوري، قال الدكتور شادي أحمد، المحلل الاقتصادي، في حديث خاص لموقع الإخبارية: إنّ الآثار يمكن قراءتها من ثلاثة مستويات مترابطة: الإنساني، والاقتصادي، والسياسي غير المباشر.
على المستوى الإنساني:
يوضح المحلل الاقتصادي أنّ الفقرة التي شدّد فيها مجلس الأمن على ضمان وصول المساعدات الإنسانية “بشكل كامل وآمن وسريع ودون عوائق” تعني أنّ الأمم المتحدة ستشدد رقابتها على آليات إيصال المساعدات داخل سوريا، بما يحدّ من التأخير والبيروقراطية، ويفتح المجال أمام منظمات أكثر مرونةً للعمل في الداخل، موضحاً أنّ هذا قد يؤدي إلى تحسن جزئي في الأمن الغذائي والخدمات الأساسية خلال الأشهر المقبلة، خصوصاً في المناطق الأكثر تضرراً. كما قد يشجّع بعض الجهات المانحة، التي كانت متحفظة سابقاً، على استئناف برامجها المجمّدة تحت المظلة الأممية الجديدة.
على المستوى الاقتصادي:
يرى المحلل المختص بالشأن الاقتصادي أنّ إدراج عبارة “تعزيز إعادة الإعمار والتنمية الاقتصادية على المدى الطويل” في نص قرار صادر عن مجلس الأمن يعد سابقة في الخطاب الأممي تجاه سوريا منذ عام 2011، وحتى وإن لم يرفع القرار العقوبات الغربية، فإنّه يفتح الباب أمام تخفيف القيود غير المباشرة على المشاريع التنموية، مثل برامج الطاقة المتجددة، والبنية التحتية، والمياه، والزراعة.
كما يعطي إشارةً للأسواق الإقليمية بأنّ الانخراط الاقتصادي في سوريا لم يعد محرّماً بالكامل، ما قد يدفع بعض الدول العربية والغربية، التي تعهّدت بالمساعدة والتعاون الاقتصادي، إلى استكشاف فرص استثمارية أو تنموية ضمن الأطر القانونية الدولية.
وبكلمات أوضح، يرى الدكتور شادي أحمد أنّ القرار لا ينعش الاقتصاد فوراً، لكنه يعيد الأمل بتغييرٍ تدريجي في المزاج الدولي تجاه الملف الاقتصادي السوري، وهذا بحد ذاته تطور مهم.
على المستوى السياسي غير المباشر:
يشير الخبير الاقتصادي إلى أن القرار له تأثيرغير مباشر يتمثّل في إعادة صياغة صورة سوريا داخل أروقة الأمم المتحدة، فمجلس الأمن يتحدث هذه المرة عن “التنمية والاستقرار” وليس فقط عن “الانتهاكات والإرهاب”.
ويرى المحلل الاقتصادي أن هذا التحول اللغوي يعكس رغبة ضمنية في نقل الملف السوري من طور العقاب إلى طور التعافي.
وأضاف “لا يغيّر القرار الواقع الميداني بشكل فوري، لكنه يحدث تحولاً في الاتجاه العام: من إدارة الأزمة إلى التفكير في الخروج منها، ولعلّ أهم ما يمكن أن ينتج عنه هو استعادة السوريين شعوراً بأنّ العالم لم يعد يتعامل معهم كملف أمني فقط، بل كشعب يستحق الحياة والتنمية”.
ترحيب دولي واسع
رحب مندوبو الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي بعد انتهاء التصويت مباشرة، بقرار رفع العقوبات عن اسم السيد الرئيس أحمد الشرع ووزير الداخلية أنس خطاب من قوائم العقوبات الدولية.
واعتبر المندوب البريطاني في كلمته أمام المجلس أنّ القرار يعكس تقدّماً سياسياً ملموساً من الحكومة السورية، وخطوة إيجابية في التصدي للإرهاب، مؤكداً أنّ التصويت لصالح القرار يمثل لحظة فارقة منذ سقوط النظام البائد في سوريا.
من جهته، وصف المندوب الأمريكي خلال الجلسة القرار بأنّه “رسالة قوية تعترف بأنّ سوريا دخلت عهداً جديداً”، مشيداً بجهود الرئيس الشرع في تنفيذ التزامات بلاده في مكافحة الإرهاب، فيما اعتبر المندوب الروسي أنّ القرار يشكل دفعةً للحكومة السورية في مواجهة الجماعات الإرهابية الساعية لإضعاف دمشق.
بدوره، شدّد المندوب الفرنسي على أنّ رفع العقوبات يهدف إلى دعم الاقتصاد السوري، كما أنه خطوة مهمة نحو إعادة بناء سوريا الموحّدة ذات السيادة، داعياً إلى رفعٍ شاملٍ للعقوبات الدولية.
بينما أكّد المندوب الجزائري أنّ القرار يعكس دعماً جماعياً لأمن سوريا واستقرارها، مضيفاً: “نؤمن بقوة بإعادة بناء مؤسسات سوريا قوية قادرة على الصمود والحفاظ على وحدة هذه الدولة واستقلالها”.
ووصف المندوب الصومالي القرار بأنه “خطوة متوازنة تدعم الأهداف الرامية إلى النهوض بالسلام والمصالحة في سوريا”، في حين توجّه مندوب باكستان بالشكر للولايات المتحدة على المبادرة، داعياً إلى خطوات إضافية لتمكين سوريا من تحقيق استقلالها السياسي وتعافيها الاقتصادي.
ترحيب سوري بالقرار
من جهته، علّق وزير الخارجية والمغتربين أسعد الشيباني على القرار قائلاً: “مرةً جديدة، وليست الأخيرة، تؤكد الدبلوماسية السورية حضورها الفاعل وقدرتها على تحقيق التقدم بخطى ثابتة في إزالة العقبات وتهيئة الطريق نحو مستقبلٍ سوريٍ أكثر انفتاحاً واستقراراً”.
وأضاف الشيباني عبر حسابه في منصة “إكس”: “تعرب سوريا عن تقديرها للولايات المتحدة والدول الصديقة على دعمها سوريا وشعبها”.
وقال مندوب سوريا لدى الأمم المتحدة إبراهيم علبي، يوم الجمعة 7 تشرين الثاني، إنّ مجلس الأمن الدولي صوّت لصالح قرار رفع العقوبات عن السيد الرئيس أحمد الشرع ووزير الداخلية أنس خطاب من قوائم العقوبات الدولية، بإجماع أربعة عشر عضواً في جلسة سريعة وإيجابية.
وعلّق وزير الإعلام الدكتور حمزة المصطفى على القرار عبر منصة “إكس” قائلاً: “مجلس الأمن يصوّت على مشروع قرار برفع العقوبات عن اسم فخامة الرئيس ومعالي وزير الداخلية من قائمة العقوبات”.
وأضاف المصطفى أنّ القرار يُعتبر إنجازاً جديداً يُضاف إلى نجاحات الدبلوماسية السورية، حيث وافقت أربع عشرة دولة على المشروع وامتنعت واحدة عن التصويت.
ورحّب وزير الدفاع اللواء مرهف أبو قصرة، يوم الجمعة 7 تشرين الثاني، بقرار مجلس الأمن الدولي رفع العقوبات عن السيد الرئيس أحمد الشرع ووزير الداخلية أنس خطاب من قوائم العقوبات الدولية، قائلاً عبر حسابه الرسمي على منصة “إكس”:“ترحب وزارة الدفاع بقرار إزالة فخامة الرئيس أحمد الشرع ووزير الداخلية السيد أنس خطاب من قائمة العقوبات”.



